Monday, January 11, 2010

الإيثانول : مرحلة جديدة لإقتصاد متنوع

الإيثانول : مرحلة جديدة لإقتصاد متنوع
* صالح موسى عيسى

مدخل : إن تاريخ السودان يكشف لنا أنه ،حيثما استبعدت اسباب الصراع على السلطة ومهددات الاستيعاب الطائش غير الرشيد ، من خلال ضمان توسيع اللامركزية وحرية التفاعل الاجتماعي ، فإن رموز الوحدة الوطنية يمكن ان تُقبل او تُرفض على اساس ميزاتها و قدرة توجهاتها الجديدة على الاقناع . د.فرانسيس دينق . 
دشن السودان بالأمس القريب إنطلاقة أول سفينة شحن تحمل بين دفتيها باكورة إنتاج البلاد من الإيثانول صادراً للإتحاد الأوروبي ذلك التكتل الاقتصادي الهام الذي يعد سوق اقتصادية مغرية و بالغة التأثير في اقتصاديات العالم التي شابها خلل كبير لجهة توفير مصادر الطاقة النظيفة و اهمها غاز الايثانول . و لعله من نافلة القول أن للسودان إمكانيات مهولة في إنتاج هذه المادة الرفيعة التي تتأهب بكل ثقة لتحل محل الوقود الاحفوري " البترول" واذا نجح السودان في استغلال إمكانياته الوفيرة المتمثلة في ملائمة المناخ لزراعة قصب السكر الذي تمتلك البلاد عدداً مقدراً من مشروعاته في كنانة الأم ، كنانة الجديدة ، سكر حجر عسلاية ،الجنيد وغرب سنار ،هذا علاوة علي المشروعات المقترحة بجنوب النيل الأبيض في مناطق أم حيايا وأم جلالة .
ما من شك أن إنتاج السودان للإيثانول الذي وصل الأسواق الأوروبية يمثل مرحلة هامة من مراحل الإندماج في الإقتصادات العالمية الأكثر تطوراً والمتسابقة على مستقبل الطاقة . وإذا علمنا الطلب المتزايد في الأسواق العالمية على هذه السلعة يـتأكد لدينا جلياً ان بلادنا بولوجها هذا المضمار قد خطت خطوة قوية نحو التنافس الاقتصادي الواعد بالخير العميم .
في كتابه احلام الحرية وثورة التغيير نعى الرئيس باراك اوباما علي إدارة سلفه جورج بوش تركيزها المتزايد على البترول دون العمل على تطوير مصادر متجددة للطاقة مثل الإيثانول وقال " تركزت سياسة الطاقة التي تنتهجها ادارة بوش على دعم شركات النفط الكبرى و توسيع أعمال الحفر والتنقيب – بالاقتران مع استثمارات رمزية في تطوير وقود بديل . ولربما تكون هذه المقاربة منطقية من الناحية الاقتصادية لو تمتعت أمريكا بموارد نظيفة ووفيرة ومخزونات لم تستغل بعد ، يمكن ان تلبي احتياجاتها ولكن مثل هذه الموارد لاتوجد إذ لا تملك الولايات المتحدة سوي 3% من مخزون النفط العالمي . في حين تستهلك 25% من الإستهلاك العالمي ولا يمكننا تفادي المشكلة . وما يمكننا فعله هو إيجاد مصادر للطاقة تكون نظيفة وقابلة للتجدد للقرن الحادي والعشرين " ، وفي ذات الإتجاه نوه الرئيس باراك أوباما بتصدي دولة مثل البرازيل لهذه المهمة وقال : "إستخدمت البرازيل مزيجاً من القواعد التنظيمية والإستثمار الحكومي المباشر لتطوير صناعة وقود حيوي علي درجة عالية من الكفاءة والفاعلية " .
وفي تقدير عدد كبير من المراقبين أن ولوج السودان للإستثمار في هذا المجال الحيوي يمثل محطة هامة في مستقبل الإقتصاد السوداني الذي لم ينطلق بالرغم تنوع الموارد والمناخات المواتية لتدشين ثورة إقتصادية تحقق مقولة السودان سلة غذاء العالم . وأن الأمر بهذا التوصيف ليس مستحيلاً فكثير من المنظمات الدولية رشحت السودان كأحد أهم الدول التي بإمكانها الإسهام بقدر وافر في أزمة الغذاء العالمي . ولكن ما يثير الدهشة كيف ان بلداً مزقت الحرب أوصاله ونهبت المشاحنات السياسية جل ثرواته ،يتمكن من الإنطلاق مجدداً لتحقيق مزيد من المفاجآت . مرة أخري كنانة هي القبلة حيث إنطلق الإيثانول بكل قوة كما إنطلق من قبل إنتاج السكر الوفير .
وتجدر الإشارة إلى أن البرازيل والولايات المتحدة الأمريكية ينتجان 70% من إنتاج الإيثانول في العالم . هذا وتسعي الولايات المتحدة إلى تطوير علاقاتها الإقتصادية مع البرازيل ودول الكاريبي بغرض تعظيم إنتاجها من هذا الغاز ، الأمر الذي يبعث مخاوف منتجي هذه السلعة الحيوية في الولايات المتحدة والذين يحتكرون هذا السوق .
وبدخول السودان عصر الوقود الأخضر وإفتتاح أول مصنع للإيثانول في أفريقيا في النصف الاخير من العام 2009 م يكون السودان قد دخل بقوة عهد المساهمة الايجابية في إنتاج هذا الساحرة ، حيث من المتوقع أن ينتج هذا المصنع حوالي 65 مليون لتر في العام وخلال عامين ستصل الطاقة الإنتاجية نحو 200 مليون لتر ، وهي كمية اقتصادية مقدرة تؤهل للتنافس في السوق العالمية المتعطشة لهذا الوقود الحيوي . وإذا كان من المفيد الاستدلال بالإرقام فإن السودان يملك 200 مليون فدان صالحة للزراعة ، المستغل فعلياً نحو 40 مليون فدان بالري المنتظم ، ونحو 35 مليون فدان عن طريق الري المطري هذا علاوة على مصادر المياه الوفيرة .
وخلاصة القول أن للسودان قدرات وفيرة في إطار إنتاج هذه السلعة الهامة وأن التنوع الإقتصادي للبلاد يجعل منها مصدراً لهذا الوقود الذي يسير بخطيء ثابته نحو سيادة عرش الطاقة العالمي ، وذلك بفضل الميزة النسبية المقارنة التي يتمتع بها السودان . ولمزيداً من التطور فليكن مصنع الإيثانول بكنانة الإنطلاقة الاولي ، حتي يحتضن كل مضنع سكر مصنع آخر لإنتاج الإيثانول ، و يكون السودان صاحب الكلمة الاخيرة في هذا الشأن .


* دبلوماسي بسفارة السودان – بلغاريا