Tuesday, February 14, 2017

التمويل في حزب الامة

*ورقة عمل بعنوان "نحو أسس راسخة للتمويل في حزب الامة" رؤية للتطبيق على الهيئة المركزية الانتقالية لحزب الامة*
اعداد:؛صالح موسى السليمي
 *أهداف الورقة:*
1. *تلمس أزمة التمويل داخل حزب الأمة*.
عندما كنت في قيادة الشعبة المركزية للطلاب الانصار - حزب الامة، كانت المشكلة الابرز في الحزب هي التمويل والتنظيم ، وظل الحوار متصلا حول هذا الامر (الأزمة المالية والتنظيمية) حتى اسميناها بمتلازمة حزب الامة، ويقيني انه إذا كان هناك دراسات جادة  حول الأحزاب السياسية في السودان منذ نشوئها في الأربعينات من القرن الماضي إلى يومنا هذا، لخلصت إلى ان حزب الامة جدير بلقب هذه المتلازمة.
ومن خلال عدد من النقاشات حول هذا الموضوع، يحمل البعض أسباب هذه المتلازمة للسيد الصادق المهدي، على اعتبار أنه يرى أن الأنصار لا حاجة لهم بالتنظيم فهم منظمين بالطبيعة، ومن ناحية يرى السيد الصادق ان التنظيم مكلف من الناحية السياسية والمالية، حيث تتمثل التكاليف السياسية في رفع سقف تطلعات الجماهير، وهذا يزيد من تعقيدات الإدارة الحزبية، وعليه طالما الأنصار كثر عن الفزع واقلة عند الطمع فهذا خير وكفي، أما التكلفة المالية للتنظيم فهي واضحة في زيادة الالتزامات الحزبية، هذا بالرغم من أن التنظيم هو من أهم البوابات الموصلة للتمويل في حد ذاته.
من ناحيةاخرى، دلت التجارب العملية لعدد من التنظيمات وفي مقدمتها الجبهة الإسلامية والحزب الشيوعى على أهمية هذا الأمر من حيث النجاحات التي حققاها في هذا الصدد، وبناء على ذلك ودون الاستفاضة في هذا المجال، فمعلوم بالضرورة ومن المسلمات البدهية ان التنظيم والتمويل هى أساس أي عمل ناجح سواء كان حزبيا او خيريا، أو غير ذلك.
2. *تجارب الاحزاب المشابهة*.
الأحزاب في جميع انحاء العالم يعتمد نجاحها عل درجة تنظيمها، وطرق تمويلها، الأحزاب الكبيرة في الولايات المتحدة وبريطانيا تعتمد بشكل أساسي على اشتراكات الأعضاء  وتبرعات كبار منسوبيها من ذوي القدرات المالية الكبيرة، فالحزب الجمهوري علاوة على اشتراكات الأعضاء فهو يحتفظ بنخبة كبيرة من رجال المال والاعمال بينهم الرئيس الحالي، بينما يعتمد الحزب الديمقراطي على اشتراكات الأعضاء بشكل أساسي بالإضافة إلى دعم الميسورين من اعضاءه، وهذا ينطبق على أغلبية الأحزاب في الدول الكبيرة، ومعلوم، ان  الاستثمارات الحزبية المباشرة وغير المباشرة غير مسموح بها في العديد من الدول، كما أنه غير مسموح بتلقي أي دعم مالي خارجي، ويعد من الفضائح التي تطيح بالرؤوس  في حال ثبوتها.
3. *المقترح*
الأزمة شائكة ومعقدة وعريقة، ولها تاريخ جعل منها متلازمة لحزبنا، ولكن لأن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي، لقد لاحظت خلال الفترة التي قضيتها في مجموعة الوحدة والتغيير ومن خلال مجهود السيد مبارك المهدي، ورفاقه جدية وحماس شديد لانتشال هذا الحزب وأحداث تغيير جذري في أدائه، وعليه تأتي هذه الورقة في إطار جهد المقل، لإثراء النقاش حول هذا الامر، واقترح التالي:-
تأسيس دائرة مالية منتقاة عدد من الاحباب وجميعهم مشهود لهم بالكفاءة والعفة، وذلك للقيام بالتالي:
1. إعداد دراسة موسعة لكيفية معالجة أزمة التمويل في حزب الامة.
2. البدء في تحديد وجمع اشتراكات العضوية الشهرية.
3. عمل مشروع أولي للتبرعات من الاحباب المقتدرين.
4. البدء بتنفيذ هذه المقترحات في إطار الهيئة المركزية الانتقالية.
4.*الخلاصة*
عندما كنت رئيس الشعبة المركزية للطلاب الأنصار - حزب الامة في التسعينات، تعرفت تماما على حجم هذه المشكلة، حيث أننا كنا نلقي بطلابنا للعمل في ظروف بالغة التعقيد دون أن نوفر لهم أدني المعينات، وهى نفس الظروف التي كنا نعيشها ونحن نقود العمل الحزبي في الجامعات، حيث كانت اغلب الأنشطة تتم عبر مساهمة الاحباب،حينها كنا نقتسم اللقمة فيما بيننا، ونصرف على أنشطة الحزب، طبعا كان الحزب من حين لآخر يوفر بعض المعينات ولكنها محدودة وغير منتظمة، وعليه نتطلع لعمل منظم ومدروس لمواجهة هذه المشكلة.
 في خطاب في عيد ميلاده الواحد وثمانين في القاهرة، تحدث السيد الصادق المهدي عن معاناته المالية الشخصية، ولكن الحقيقة هي أن (يداك اوكتا، وفوك نفخ)، هذا ما جناه سيادته على الحزب، والنتيجة معاناه حتي القيادة.
هل اولينا هذه الأمر مساحة للنقاش.
مع تحياتي صالح السليمي

تجربة التحول الديمقراطي في جمهورية إتحاد ميانمار بورما سابقا


خضعت ميانمار – بورما سابقا الي الاستعمار البريطاني خلال الفترة من 1824 الى 1948، ضمن المستعمرات البريطانية في شبه الهند الصينية، وكما هو معلوم من تجارب برطانيا الاستعمارية قسمت البلاد على أسس دينية وعرقية ما زالت أثارها ماثلة للعيان.
في عام 1937 قامت برطانيا بفصل بورما عن بقية مستعمرات الهند الصينية، وذلك تحت قيادة الزعيم البورمي با ماو (Ba MAW) وهو من المنادين بالحكم الذاتي في البلاد، وقد مثلت هذه المرحلة حالة المخاص نحو الاستقلال التام في عام 1948م.

في يناير 1948 أصبحت بورما جمهورية مستقلة باسم إتحاد بورما ، وأصبح الرئيس ساو شيو ثايك ( Sao Shwe Thaik ). وعلى غير المستعمرات الاخرى لم تنضم بورما لاتحاد الكمنولث في إطار تجمع للمستعمرات البريطانية السابقة.

خلال الفترة 1962-2011 خضعت بورما الى حكم عسكري بالغ القسوة، حيث زج بالمعارضين في السجون ونكل بهم أيما تنكيل، وكان من بينهم زعيم بورما التاريخي ساو شيو، وذلك عندما قاد الجنرالات إنقلابا عسكريا في مارس 1962م بقياد الجنرال المرعب ني وين (Ne Win) كما يسمى في بورما.

في عام 1974 أسس العسكر في بورما مجلسا عسكريا سيطر على مقدرات البلاد الانتاجية والاعلامية والتجارية والاستثمارية وتوجه بالبلاد تلقاء المنظومة الاشتراكية الشيوعية، وأمم وصادر جميع مؤسسات البلاد واقتصادها، وأجاز دستور للجمهورية الجديدة. وخلال هذه الفترة أصبحت بورما من أكثر البلدان فقرا في العالم.

في يوم 8/8/1988 إندلعت إحتجاجات عنيفة عرفت بإنتفاصة (8888) وقد قام الجنرال وين بقمع هذه الانتفاصة بقسوة متناهية.
في عام 1990 أجرت الحكومة العسكرية تحت الصغوط الدولية والمحلية انتحابات حرة نزية فاز بها حزب الرابطة القومية بقيادة السيدة اونح سان سووكي بأعلبية ساحقة حيث حصل حزبها على 392 مقعدا من مجموع 492 إجمالي المقاعدة في البرلمان، ولكن العسكر ضاقوا زرعا بهذه النتيجة فقاموا بإلغائها وزجوا بزعيمة الحزب في غياهب السجون ومن ثم افرجوا عنها للتعيش رهن الاقامة الجبرية اكثر من 10سنوات. طبق العسكر خلال هذه الفترة حكما عسكريا متشددا ما جلب على البلاد العزلة الدولية حيث فرضت الدول الغربية في مقدمتها الاتحاد الاوروبي عقوبات سياسية واقتصادية على البلاد، هذا فضلا عن الضغوط القوية التي مارستها الادارات الامريكية المتعاقبة على بورما مما افقد العسكر كل أمل في الاستمرار في الحكم على هذه الشاكلة.
الجدير بالذكر أن العسكر قد غيروا أسم البلاد من بورما الى ميانمار في عام 1989، ومن ثم نقلوا العاصمة من رانجون الي مدينة جديدة وهي نابي بي تاو (Nay Pyi Taw) العاصمة الحالية.

في عام 2007 دخل الرهبان البوديون في إحتجاجات عنيفة بسبب الغلاء في اسعار المحروقات والمواد الغذائية تعاملت معها الحكومة بقسوة ولكنها في ذات الوقت ترسخت لديها فكرة ضرورة حدوث تغيير في البلاد، حيث حدثت حينها خلافات شديد في صفوف الفئة الحاكمة بين مؤيد للتغيير ومعارض له. جراء هذا الانقسام حدث تمرد في اقاليم البلاد الشرقية والغربية مما شكل خطرا على الاستقرار في البلاد الى يومنا هذا بالرغم من سلسلة المصالحات التي قادتها الحكومات العسكرية والحكومة الديمقراطية الحالية.
في عام 2008 وتحت الضغوط الداخلية الاقليمية والدولية قامت الحكومة العسكرية بأقرار دستور جديد أسس لما عرف بالديمقراطية المنضبطة وهي مرحلة هامة من مراحل التطور  الدستوري في البلاد، بموجب هذا الدستور تم إجراء انتخابات في عام 2010م وافقت الاحزاب المعارضة على المشاركة فيها واحترام الدستور الجديد ورعاية الديمقراطية المنضبطة، ولكن العسكر كالعادة زوروا الانتخابات واعلنوا فوز حزب التضامن والتنمية الحاكم اصلا بنسبة 80%، وسط احتجاجات داخلية واقليمية ودولية، كما واجه هذا السلوك استهجانا زاد من عزلة النظام ودفع به في أتون واقع جديد أشدة مرارة، مما اضطره الى الدخول في عملية اصلاحات حقيقية في مجال الحريات الصحافية والاعلامية والحريات المدنية الاخرى وتبني الاقتصاد المختلط والشروع في المصالحة الوطنية واطلاق عدد من السجناء والغاء حكم الاقامة الجبرية على اونح سان سوكي زعيمة حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية.
مهدت هذه الاجراءات الطريق نحو مزيد من الانفتاح، وخلال هذه الفترة قامت هيلاري وزيرة الخارجية الامريكية بزيارة ميانمار لاول مرة في إطار تشجيع التحول الديمقراطي في البلاد حيث التقت زعيمة المعارصة ورئيس البلاد الجنرال يو سين ثين.
في غضون ذلك شاركت احزاب المعارضة في الانتخابات التكميلية في 2012 حيث حصل حزب الرابطة بقيادة سووكي على 43 مقعد من بين ال 45 مقعد التكميلية، ومنذ ذلك الحين بدأ تعاون خلاق بين الحكومة والمعارضة قاد الى تفكيك النظام الشمولي القابض لصالح النظام الديمقراطي الحالي، والذي يعد الي اليوم مرحلة من مراحل للانتقال لدولة ديمقراطية كاملة الدسم.
 في نوفمبر 2015م أجريت انتحابات حرة نزيه فاز بها حزب المعارضة اللبيرالية اونج سووكي بنحو 90% من المقاعد المطروحة وهي 75% فقط من مقاعد البرلمان، حيث يحتفظ الجيش بنسبة 25% من مقاعد البرلمان بالتعيين. ولأن الدستور لا يسمح بتولي سووكي لرئاسة البلاد تقلدت هي وزارة الخارجية واستحدثت موقع مستشارة الدولة بصلاحيات رئيس الوزراء، وهي الآن رئيسة ميانمار بحكم الأمر الواقع كما يسميها الاعلام الغربي.
يوجد العديد من الملاحظات على دستور 2008 في ميانمار أبرزها أنه يحتفظ بنسبة 25% من مقاعد البرلمان للقوات المسلحة بالتعيين، ويمنع رئيسة حزب الرابطة من تولي الرئاسة لانها متزوجة من اجنبي بريطاني الجنسية، ويعطي القوات المسلحة فيتو على القضايا القومية، ويحتفظ الجيش بوزارات الدفاع والامن الداخلي والحدود، ويحتفظ الجيش كذلك بحكم الدستور بمنصب نائب او رئيس البرلمان، واحد نواب الرئيس.
عليه يمكننا القول بكل ثقة، أن جدية المعارضة في ميانمار هي التي جردت العسكر من جميع اسلحتهم مما جعل الباب مفتوحا في المستقبل لتحقيق حلم الدولة الديمقراطية بالمعايير المتعارف عليها.