Monday, July 13, 2020

السودان على حافة الهاوية: السقوط الحتمي أم الطريق نحو المستقبل؟


كتب السيد/ ألبرتو فرنانديز مقالا هاما، حول الاوضاع في السودان، وقد نشر على صفحة معهد واشنطن لتحسين جودة السياسة الامريكية في الشرق الاوسط، كما نشر في عدد من الصحف العالمية، وتكمن اهمية المقال في القضايا الحساسة التي تناول والموضوعية والعلمية التي اتكأ عليها، جاء المقال تحت عنوان؛ السودان على حافة الهاوية: السقوط الحتمي أم الطريق نحو المستقبل؟
اما عن السيد/ ألبرتو فرنانديز فهو امريكي خبير في شؤون السودان، كما انه نائب رئيس معهد الشرق الأوسط لبحوث الإعلام (MEMRI). وشغل سابقًا منصب القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم في الفترة من 2007 إلى 2009 ، ومسؤول مكتب السودان في وكالة الإعلام الأمريكية من 1990 إلى 1992.
من جانبي قمت باعداد الترجمة التالية للمقال، وهي جهد المقل، ارجو ان تكون مفيد للقارئ المهموم بقضايا بلادنا، وعلى الذين يرغبون بقراءة اصل المقال باللغة الانجليزية فالرابط موجود في نهاية المقال. وتقبلوا مني فائق التقدير والاحترام؛ صالح موسي.
 الى مضابط المقال:-
تحتاج واشنطن إلى التحرك بسرعة نحو السودان، وليس على هذا النحو المتثاقل، وذلك بهدف تقديم الدعم للحكومة المدنية، وتحذير قادة المنطقة للحيلولة دون استخدام البلاد كملعب لصراع جيوسياسي آخر.
في 30 يونيو، تدفق عشرات الآلاف من المتظاهرين السودانيين إلى شوارع الخرطوم والمدن الرئيسية الأخرى مطالبين بالتغيير، بما يحقق الانتقال الكامل إلى الديمقراطية والحكم المدني. بعد أكثر من عام بقليل منذ سقوط نظام عمر البشير الذي دام ثلاثة عقود، يمكن أن تذهب البلاد في أي من الاتجاهين - نحو أنماط مألوفة من الخلل الوظيفي والتراجع، أو نحو مسار رائد لا يستفيد منه سكان السودان البالغ عددهم 40 مليون نسمة فحسب، بل يستفيد منه العالم العربي وغير العالم العربي.
تتباين دول أفريقيا والشرق الأوسط من الناحتين السياسية والاقتصادية، وهناك دول على حافة الهاوية وفي مرحلة الحذر. ولكن في المنطقة التي تحكم عمليا بأنواع مختلفة من الاستبداد، فإن تاريخ السودان الفريد - كأول شعب يسقط نظامًا إسلاميًا استمر لفترة طويلة بمفرده - يمكن أن يهزم العديد من التوقعات التقليدية.
لذلك، أمام الولايات المتحدة خيار مصيري في هذه اللحظة المحورية. اما أن تتعامل مع السودان وكأن لديه مايكفي من الوقت لتصحيح الأمور  في حين يتلاشى الأمل في الخرطوم، أو أن تعطيه الاولوية في الدعم الفوري كحالة عاجلة – فهو الخيار الذي يؤمن المصالح الإقليمية للولايات المتحدة.
ما الذي جعل السودان على الحافة؟
مظاهرة 30 يونيو  نظمتها لجان المقاومة التي تمثل الحاضنة الشعبية لقوى الحرية والتغيير، وهي ائتلاف عريض من الكيانات التي برهنت على أهميتها في إسقاط نظام البشير في أبريل 2019. ذلك السقوط الذي جاء في شكل انقلاب عسكري، ولكن من غير المرجح أن يحدث دون وجود حركة شعبية واسعة ومستمرة. احتفلت المظاهرة الاخيرة بمليونية 30 يونيو  من العام الماضي، والتي ساعدت على تحقيق اختراق في التحول الذي حدث في السودان.
تطرق المتظاهرون هذا العام إلى العديد من القضايا، لكن مطالبهم الأساسية تتلخص فيما يلي: انتقال أسرع نحو الحكم المدني؛ ومزيد من الحزم من قبل المدنيين الذين يسيطرون بالفعل على السلطة؛ وابعاد عن عناصر النظام الإسلامي السابق الذين لا يزالوا يقودون الادارة البيروقراطية؛ والمساءلة عن انتهاكات النظام السابق؛ وتقليص دور الجيش. هذه التغييرات هي الخطوة التالية الطبيعية في العملية التي تكشفت منذ سقوط البشير، والتي أدت إلى شهور من المناورة الداخلية من قبل عناصر من القوات المسلحة، وشهدت قمع عنيف ضد المظاهرات، ومن ثم، بأعجوبة توصل الطرفان الى خطة لتقاسم السلطة والانتقال في يوليو 2019 . بموجب هذه الخطة، يحكم البلاد مؤقتًا مجلس السيادة العسكري المدني المشترك، مع الإدارة المدنية برئاسة تكنوقراط محترم، هو رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. من المفترض أن يستمر هذا الترتيب المؤقت حتى إجراء الانتخابات العامة في أواخر عام 2022.
قدم أحد منظمي المظاهرة من دارفور رؤية متفائلة عن أهمية المسيرة في تصريحات لشبكة عاين: "لا تراجع، لقد ترك السودان طريق الاستبداد إلى الأبد وسيبني السودانيون دولتهم الجديدة بكامل قوتها". لكن عدم الرضا عن الوضع الراهن عميق، وخطر التراجع كبير. ليس الأمر أن حكومة حمدوك فشلت في إحراز تقدم. فمنذ وصوله إلى السلطة في أواخر أغسطس 2019، شكل على الأرجح الحكومة الأكثر تنوعًا في تاريخ السودان. وترأس النساء أربع وزارات رئيسية (الشؤون الخارجية والتنمية الاجتماعية والعمل والشباب والرياضة والتعليم العالي)، بينما اختير لوزارة الإعلام صحفي سابق وسجين رأي وفق منظمة العفو الدولية تم سجنه ومضايقته لسنوات. كما نأى حمدوك بنفسه عن الإرث القانوني المعيب لنظام البشير، مما سمح بحرية الصحافة وإلغاء القوانين التي حدت من حقوق المرأة والحقوق الدينية.
بالإضافة إلى ذلك، بدأ حمدوك العملية المعقدة نحو تحقيق الشفافية والمساءلة في تصرفات النظام بالرغم من انها بطيئة للغاية في نظر النقاد. وقد تم استرداد ما بين 3.5 إلى 4 مليارات دولار من أصول منسوبي النظام السابق، وفقًا للجنة مكافحة الفساد وتفكيك النظام.
وفي الشؤون الخارجية، قامت الحكومة بكل ما يمكن أن تحلم به الولايات المتحدة. واستمر التعاون في مكافحة الإرهاب على نحو مثمر. كذلك في فبراير، التقى الجنرال عبد الفتاح البرهان - رئيس مجلس السيادة ورئيس دولة السودان بحكم الأمر الواقع - برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ولكن على الرغم من صدق وجدية الحكومة المدنية، لا يمكنها تصحيح ثلاثة عقود من الفوضى والخلل بين عشية وضحاها. فقد احرزت البلاد نجاحا حقيقياً الشهر الماضي في مؤتمر "أصدقاء السودان" في برلين، وحصلت على 1.8 مليار دولار من المساعدات، وتمكنت من تحسين العلاقات المتوترة منذ فترة طويلة مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ولكن تظل هذه التطورات الأساسية المشجعة مجرد خطوات أولية.
لقد كان اقتصاد السودان في حالة تدهور مستمر قبل أزمة كورونا وقبل الانكماش الاقتصادي العالمي الذي صاحبها. حيث بلغ معدل التضخم حوالي 100%، وبلغت نسبة البطالة 25% ، ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 8% هذا العام علاوة على انكماشه بنسبة 2.5 في المائة العام الماضي. كذلك على السودان متأخرات بمليارات الدولارات للمقرضين العالميين ظلت تتراكم بسبب عدم الكفاءة واللامبلاة التي تعامل بها القادة السابقون، بالاضافة الى ذلك، فالسودان مطالب بدفع 826 مليون دولار كتعويض عن تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998 جراء التسهيلات التي حصل عليها تنظيم القاعدة من قبل نظام البشير، ولا يزال هناك اتفاق لتسوية هذه المطالبات بمبلغ 300 مليون دولار امام مجلس الشيوخ الأمريكي.
توصيات للسياسة الأمريكية
كالعادة، نصح المقرضون الدوليون الحكومة السودانية باتخاذ خطوات ملموسة من شأنها أن تقلل من تآكل شعبيتها وتجعلها هدفًا أسهل للشخصيات العسكرية والإسلامية التي تنتظر وراء النافذة. ففي الوقت الذي يتراص فيه السودانيون اليائسون للحصول على الخبز والأدوية والوقود، فمن الجنون أن تتوقع إدارة حمدوك الجادة والهشة أن المواطنين الذين يعانون منذ فترة طويلة يجب أن يواصلوا العطاء دون اي مقابل، وان يرسلوا الأموال إلى ضحايا الإرهاب الأمريكيين، ذلك ببساطة في انتظار مستقبل افضل.
يبدو أن منطق سياسة الولايات المتحدة الحالية بشأن السودان واضحًا؛ ويقوم على معالجة القضايا الثنائية العالقة بشكل منهجي مع الابقاء على أمل دعم البلاد في نهاية النفق. وهذا يشمل تعليق الوعد بإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب الى مرحلة ما بالقرب من انتخابات 2022 أو بعدها. حتى ذلك الحين، فإن فكرة الادارة الامريكية هي الاستمرار بحذر في إصلاح القطاع الأمني، وحماية الإدارة المدنية من الإطاحة بها، وإبقاء الجيش على الخط - خاصةً أمير الحرب الطموح الجنرال محمد حمدان دقلو "حميدتي"، نائب رئيس مجلس السيادة. وبعبارة أخرى، لم يحصل السودان من الولايات المتحدة سوى على الوعود دون تقديم اي مساعدة فعلية. المشكلة في هذه السياسة هي أنها تفترض أن الوقت في صالح واشنطن. فإذا كان الاقتصاد العالمي مزدهرًا مثلا وكان السودان يتلاعب بالارقام لاثبات ضعف الاداء الاقتصادي، فربما يكون هذا النهج ناجحا. لكن واشنطن بذلك تخاطر بتحقيق عكس ما ترجوه، وذلك من خلال تجريد الحكومة الحالية من الثقة الشعبية بحجة الإبقاء على حميدتي في وضع حرج، وبالتراخي في الدعم الاقتصادي المستقبلي الذي لن يصل أبدا بشكل كامل (نظرًا لافراط الحكومات الأجنبية في الوعود بالدعم وعوامل أخرى). فبدلاً من تمكين الحكومة المدنية الليبرالية المتلتزمة بحقوق الإنسان وذات السجل الإيجابي منذ عام 2019 ، يمكن للسياسة الأمريكية الحالية أن تولد حكومة فاشلة وعديمة المصداقية تقود الى وصول حميدتي للسلطة أو آخر أسوأ منه بكثير - ربما تأتي قيادة تخفي استبدادها في عباءة الإسلام السياسي. حتى لو كان مستقبل السودان، للأسف، جنرالًا جديدًا جاء على ظهور الخيل، فقد يتم تقييد مثل هذا القائد إذا تولى السلطة من حكومة انتقالية ناجحة بشكل معقول بدلاً من حلول كارثة أخرى.
لذلك يجب على واشنطن أن تمضي بسرعة نحو السودان، وليس على هذا النحو البطئ. ويجب ان تضع واشنطن مسألة الدعم في مقدمة اولوياتها من أجل إعطاء المواطنين السودانيين أملاً ملموسًا على الأرض. علاوة على ذلك، يحتاج حلفاء الولايات المتحدة في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى حديث مباشر حول كيفية أن يكونوا أكثر استعدادا لمساعدة حكومة حمدوك. كما يجب على واشنطن أن تُحَذِر كل من هذه الدول ومنافسيها قطر وتركيا من أن السودان أصبح الآن أولوية أمريكية، ولن تسمح بأن يكون ملعبا آخر للصراع الإقليمي المتبادل بينهما. كما إن إعطاء الأولوية للمبادرات الصديقة للناس التي توفر الدعم على المدى القصير والمتوسط ​​هو السبيل للعبور، وليس المشاريع الفخمة طويلة المدى التي قد لا تحقق أبدًا.
سيكون من السهل عبور السودان بالرغم انه وريث إرث تاريخي قاتم وحوصر في توترات سد النهضة بين الجارتين مصر وإثيوبيا. ومع ذلك، وبالنظر إلى اليأس والجمود المتعمق في معظم العالم الناطق بالعربية، من الأهمية بمكان أن تفعل واشنطن كل ما في وسعها الآن - وليس لاحقًا - لضمان ظهور السودان كدولة متسامحة يقودها المدنيون بدلاً من دولة فاشلة أخرى. سيكون هذا أفضل ليس فقط للولايات المتحدة، ولكن أيضًا لمنطقة متعطشة لقصص النجاح النسبي وسط تجمع من الكآبة.



Monday, June 29, 2020

مؤتمر شركاء السودان دبلوماسية التنمية في ابهى تجلياتها


مؤتمر شركاء السودان دبلوماسية التنمية في ابهى تجلياتها
خلفية: التقيت عبر الماسنجر بالامس الحبيب نجم الدين دريسة، وهو من الشباب المهتمين والمشفقين حيال ما يجري في بلادنا، فطلب مني كتابة تعليق على مؤتمر شركاء السودان، وماكنت اود ذلك نسبة لكثافة التناول الذي حظي به المؤتمر في الداخل والخارج، ولكن طلب الحبيب نجم الدين شجعني على كتابة الهوامش ادناه. تحت عنوان" مؤتمر شركاء السودان دبلوماسية التنمية في ابهى تجلياتها".
يجمع مفهوم دبلوماسية التنمية كمفهوم هجين بين مخرجات السياسة والعلاقات الدولية، والاقتصاد كعلم قائم على الموارد والموازنة في استخدامها والكفاية والشمول الرفاهي والاجتماعي. واذا كان مفهوم دبلوماسية التنمية كما اشرنا اعلاه، فإن السودان في نسخة الدولية بقيادة حمدوك والبدوي قد نحج بلامنازع في تسنم هرم دبلوماسية التنمية، ولعل نحن في السودان لدينا باع وتاريخ نظري قديم في محاولة استخدام الدبلوماسية الاقتصادية، وقد كان السودان اول دولة في المنطقة العربية والافريقية عقدت مؤتمرا للدبلوماسية الاقتصادية بقيادة الدكتور الراحل منصور خالد في عام 1972م. وقد قلنا في اكثر من مرة ان الدكتور حمدوك وزراعة الايمن الدكتور ابراهيم البدوي لديهما ما يقدمانه للسودان لاسباب عده اهمها ان كلا الرجلين جمع بين المعرفة النظرية العميقة والخبرة العملية الطويلة في الفضائين المحلي والدولي، فاذا كان الرجلان قد استخدما خبرتهما لتحقيق ما تم انجازه، فهناك عوامل غير منظورة اسهمت في هذا النجاح، ارجو اوجزها في ما يلي:-
اولا: موقع السودان المميز في خريطة الصراع المحوري حول الماء والموارد البشرية والطبيعية مما جعل العديد من المنظمات الدولية والاقليمية ومعاهد البحوث المهتمة بادارة الموارد والرفاه الانساني تشير باستمرار  الى الدور المرتجى من السودان في اطار سلسلة واردات وصادرات الطعام في العالم، إن وجد هذا البلد الذي مزقته الحروب الاسناد الدولي الايجابي لاستغلال موارده الوفيرة. وقد اطلعت في وقت سابقة على استراتيجية احدى الدول البعيدة عن السودان وهي تحذر متخذي القرار فيها من مغبة اهمال انتاج محصولات محددة لان ذلك سوف يفسح المجال الى السودان للسيطرة على سوقها عالميا.
ثانيا: بالاضافة الي العلاقة التاريخية بين السودان والمانيا، حيث كانت من اكبر الشركاء التجاريين للسودان، تهتم المانيا وتتفهم جيدا دور السودان في حماية الاتحاد الاوروبي والدول الاوروبية من خطر الهجرة غير الشرعية. اذ ان عوامل الجفاف في اجزاء متعددة من افريقيا بجانب سوء ادارة الموارد لدى الكثير من دولها جعل شبابها في مقدمة المغامرين بالهجرة الى اوروبا، وقد كانت المانيا بالمناسبة وراء برنامج الاتحاد الاوروبي للتعاون مع السودان في حماية ومنع الهجرة غير الشرعية الى اوروبا، في ظل النظام السابق، وقد وفر الاتحاد الاوروبي حينها ملايين اليورهات لدعم هذا البرنامج واستخدم السودان حينها قوات الدعم السريع للعب هذا الدور، وهو ما عزز قدرات هذه القوات الى يومنا هذا.
ثالثا: لم يكن السودان منذ الاستقلال الى اليوم اقرب الانهيار والتشظي مثل ما هو حادث اليوم، فقد تعددت الجيوش في ربوع البلاد واطرافها بصورة لم يسبق لها مثيل، ليس ذلك فحسب، فهناك قابلية عالية للتجيش وسط الشباب السوداني، وذلك لاسباب متعددة اهمها حالات الفقر واليأس وانسداد الافق بسبب السياسات الرعناء التي اتبعها النظام السابق، فهناك اعداد كبيرة من الخريجين العاطلين عن العمل، وهناك اعداد مهولة من الفاقد التعليمي، علاوة على قضايا التمييز الافتراضي والحقيقي، الذي جعل جميع الفرقاء يجنحون الى استخدام العنف اما لاستدامة ما اغتنموه في فترات سابقة، او استخدام العنف من اجل الحصول على جزء من الكيكة، والاخطر ان النظام السابق بالرغم من انه اسس عدد من الجامعات الا انها كانت مراكز لتفريخ الجهل وتعزيز التباين بين الاقاليم وشعوب السودان المختلفة. وعليه نعتقد ان احد اهم اسباب التدافع نحو مؤتمر شركاء السودان هو المخاطر المحدقة بانهيار البلاد ودخولها نادي الدول المنهارة في الاقليم.
رابعا: تاريخ الصراع الدولي لاسيما بين الاقطاب الرادكالية يسارا ويمينا كان يلعب في محفل الارهاب والتطرف، وذلك من خلال صناعة الخلايا الارهابية والمتطرفة لضرب الخصوم، فالولايات المتحدة مثلا انتصرت على الاتحاد السوفيتي سابقا لاسيما في افغانستان في ايام الحرب الباردة او مايسمى بالحرب بالوكالة او الحرب الاستخبارية عند البعض، من خلال استخدام منظومة المجاهدين الذين كانت توفر لهم الدعم الاستخباري والمالي عبر حلفاؤهم في المنطقة، حيث تحولت هذه الجماعات بعد حين الى صداع يغض مضجع الولايات المتحدة نفسها، واصبحت في شوكة في خاصرتها الاسترانيجية. علاقة السودان بهذا ان النهج الذي اتبعه نظام الانقاذ من حيث تحويله الى حاضنة لجميع حركات التطرف في العالم مما ادخل السودان في ورطة تاريخية ندعو الله ان يخرج منها سالما، ففي قلب الخرطوم هناك من بايع ابو بكر البغدادي كخليفة للمسلمين، وليس ادل على قابلية الانخراط في مضمار الارهاب في بلادنا من ذهاب شباب صغار للقتال في ليبيا والعراق وسوريا. فالعالم والمانيا تحديدا تعي هذا الوضع كما ينبغي، وعليه كانت الدعوة للحفاظ على السودان كدولة في البداية، ومن ثم العمل في اطار تحقيق التنمية فيه ولصالح شعبه. هذا علاوة على موقع السودان في اكثر اقاليم افريقيا هشاشة، حيث بوكو حرام في اغرب افريقيا، والسليكا في افريقيا الوسطى، والشباب المجاهدين في الصومال، وجيش الرب في يوغندا، والصراع في جنوب السودان، والانتشار المخيف للسلاح في كل الاقليم.
خامسا: يشهد السودان صراعا داخليا عنيفا بين مكوناته، بحيث ان ما يحدث فيه يشبه "حرب الكل ضد الكل" اذ لايوجد من بين اقاليم السودان واطرافه ما يخلو من نزاع، سواء نزاع قبلي او عشائري او جهوي، وجميع هؤلاء يحملون اسلحة فتاكة، ولعل ما حدث في ولايات دار فور من فتق بين ما يطلق عليهم الرعاة والمزارعين يصعب على الراتق، والامر مثله في جبال النوبة وجنوب كردفان والنيل الازرق، وشرق السودان، بحث اصبح الوضع الطبيعي بين الناس هو الحرب، اما التعايش السلمي فهو الاستثناء. ولذلك في تقديري فإن الحضور الدولي في مؤتمر شركاء السودان في برلين هو محاولة الى تليين هذا الوضع الشاذ، هو ما دفع رئيس الوزراء نفسه لاقتراح مشروع البعثة الاممية السياسية المتوقعة في غضون يناير القادم، لعل محاولات دعم السودان سياسيا هو الفرصة الاخيرة لنا وشركاؤنا.
سادسا: اما نجاح المؤتمر من حيث الاخراج والاستجابة فمردهما بالاضافة الى العوامل اعلاه، وبالطبع الوزن الالماني، و الدور الذي لعبه رئيس الوزراء ووزير المالية من حيث استغلال علاقاتهم الدولية، وتقديم برامج موفقة في مخاطبة المجتمع الدولي، هو نجاح يحسب للرجلين.
ما بعد مؤتمر الشركاء السودان
مؤتمر شركاء السودان بالرغم نجاحه من الناحتين المالية والسياسية، الا انه يبقى هو المرحلة الاولي التي تمهد الطريق نحو سودان ينعم بالحرية والعدالة وتحقيق التنمية واستدامتها، فقد وعد المشاركون بالانخراط مع السودان في مشروعات اقتصادية وسياسية بلاسقوفات سوى تحقيق السلام والاستقرار والاصلاح الاقتصادي من النواحي التشريعية والقانونية، وتوفير البيئة المواتية للاستثمار. اذن العمل الاساسي مطلوب من الجانب السوداني وليس المجتمع الدولي، وكالعادة فإن دور الدول الصديقية والشقيقة لايعدو كونه رافعة لمساعدة الجهد الوطني.
 المطلوب في المرحلة القادمة؛ ادارة الازمات المتفاقمة بحكمة وحنكة، وان نترك الافتاء لاهل الفتوى، ونعطيهم الفرصة في اقتراح برامجهم والعمل على تنفيذها، فمثلا؛ لايمكن أن يأتي واحد "عنقالي" ليفتي في كيفية ادارة الموارد الاقتصادية وتحقيق التنمية المستدامة، فلنترك الامر للخبراء الذين وضعنا ثقتنا فيهم ونتحلي بالصبر واليقظة. فهناك حرص من منسوبي النظام المباد الى جر السودان نحو الهاوية من خلال اثارة عامة الشعب وتجيشهم ضد حكومة الفترة الانتقالية، والانتقام لمجدهم الآفل، وهناك من لهم اجندات خاصة تتعلق بمصالح تليهم وبالتالي لايعجبهم العجب.
في الختام؛ نقول هذا البلد كبير وعظيم وفيه خير يسيل له لعاب الطامعين، علينا ان ندرك ان السفينة التي تفشل في مواجهة امواج المحيط مصيرها الغرق، وانه في حال فرطنا في بلادنا هذه المرة سوف نندم الى الابد، هذا بلد يستحق شعبه وضع افضل، ولكن المثيرة للدهشة ان كل العالم وشعوبه، يدركون اهمية السودان الجيوسياسية والاقتصادية، الا نحن السودانيين لاندرك هذه الاهمية، فالسودان هو سرة افريقيا والعالم العربي.
صالح موسى – يانجون
30يونيو2020


Thursday, May 28, 2020

فيروس كورونا يكشف الغطاء عن الجميع؛


١/من أخطر المؤشرات التى برزت خلال الشهور الأولى من عهد الكورونا، توقف التواصل بين أطراف العالم، فهو توقف لم يكن لاحد ان وضعه في الحسبان، توقف الطيران، والسفن وجميع مواعين النقل داخليا وخارجيا، حتى الحراك الاجتماعي أصبح يمثل خطر على الانسان، الإنسان الذي أنتج آلاف النظريات عن ضرورة التواصل الاجتماعي المادي بين البشر، اليوم أصبح ازمة، وحل محله ما عرف بالتباعد الاجتماعي (SOCIAL DISTANCING )؛
٢/ في عهد الكورونا تلاشت الفروقات المادية بين الدول والافراد وكيانات المجتمع، فالكل معرض للاصابة حين توفر شروطها، إذ لا فرق بين الغنياء والفقراء في مواجهة المرض، حيث ان نسبة الوفيات متساوية لدى الجميع؛
٣/ ربما يساعد وباء كورونا في رسم خريطة جديدة للعالم تختلف عما كانت عليه في السابق، تفطن من خلالها الدول الغنية إلى ضرورة تقاسم الموارد بدرجات أكثر عدالة، لاسيما وقد أدرك الناس ان هناك حروب تستهدف الكل ولا تغني عنها الفروق المادية؛
٤/ اذا سار العالم خاصة الدول الغنية في المسار القديم، سوف تشهد الكرة الأرضية تسابق العمالقة نحو تغطية خسائر عهد الكورونا، ومضاعفة الأرباح، بذلك تزداد الدول الغنية غنى والفقيرة فقرا، حينها سيخسر العالم ضميره الإنساني كما يفعل دائما؛
٥/ ربما تسعى الدول الفقيرة في حال تفهم قادتها أهمية القوة الذاتية وتعزيز الموارد المحلية للشعوب، بحيث يتوفر لديها جزئيا قدر من الطاقة لمواجهة الكوارث والصمود لو لفترة زمنية معقولة لاسيما في مجال الأمن الغذائي، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تحريك الموارد المحلية والاعتماد على الإنتاج الوطني في مسارات الغذاء والدواء، وليس هذا أمرا مستحيلا.
٦/بالنسبة للسودان، ربما تتعلم مكوناته السياسية، أن التعاون بين الكل يضمن مخرج آمن للكل، وأن السفينة التي يقودها ربان اناني مصيرها الغرق، وأن السيولة التي ضربت العالم في عهد الكورونا السودان اول ضحاياها ما لم يتسامى قادتنا إلى حجم المحنة، وبناء وطن قادر على الصمود والثبات.
٧/كذلك بالنسبة للسودان، اعتقد إن كان للكورونا ميزة واحدة، هي إجبار متخذ القرار في السودان على التفكير مليا في مزايا الداخل، الانسان، والموارد الزراعية، والثروة الحيوانية، والمعادن، والمياه والأرض، والملود والجراية والساقية، والمحراث، والانصراف تماما عن الخارج، ومعوناته، وقروضه، حينها فقط، سوف يتغير وجه بلادنا في فترة وجيزة لا تتجاوز سنوات اقل من أصابع اليد الواحدة.
مع تحياتي وتمنياتي لكم بالسلامة وعليكم والبيوت

Tuesday, May 26, 2020

محمد الاشرف في النعيم

إبني محمد الاشرف، يقضي إجازته بين أهله وذويه في ولاية النيل الابيض، محلية السلام، وحدة النعيم الادارية، في واحدة من أفقر المناطق من حيث التنمية، ولكنها من أغنى مناطق السودان من حيث الموارد، ممثلة في قطعان الثروة الحيوانية والأراضي الزراعية والمياه الوفيرة والأمطار الغزيرة، هذا علاوة على أنها منطقة حدودية تمثل بوابة السودان مع جنوب السودان الحبيب.

كذلك، فهى منطقة مثال التعايش السلمي بين القبائل، وتعتبر وحدة النعيم الإدارية، أو دار سليم " كما يحلو لسكانها" على الدوام موطنا لجميع من قصدوا العيش فيها بسلام، فقد انصهرت على ترابها جميع قبائل السودان واثنياته، من اهلنا الفور، والبرقو، التاما، والنوبة، والبني هلبة، والرزيقات، والمسيرية، اهلنا الفيارين، والشلك منهم عمتنا أم زينب، وكذلك اهلنا الجعليين، الشوايقة، والشنابلة، والاحامدة، النوير، والباريا، والفونج، والفلاتة، والبرقد، والداجو والتنجور، والقائمة تطول ،،، بل ان هناك من جاء من خارج حدود الوطن للاستقرار بها ، منهم عمنا جلال من مصر، وعمنا صديق الشهير بالسنقالي من السنقال، كان رجل طويل القامة فارعا وقوي البنية، تجده هاشا باشا، عليه الرحمة في حياته وبعد مماته. 
نعم انها منطقتنا وأهلنا في محلية السلام بجميع وحداتها الادارية، انهم أغنياء رغم فقرهم في مضمار التنمية الحضرية، تحية وسلام ورحمة الى اهلى بكل اطيافهم، وسحناتهم، وعيد سعيد ومبارك وكل عام وانتم بخير وعافية.
صالح موسى من جمهورية اتحاد ميانمار. بورما سابقا، ٢٥ مايو ٢٠٢٠