Friday, May 9, 2008

الثقافة و السلام

عرف إدوارد تايلور الثقافة على أنها ( ذلك الكل المركب الذى يشتمل على المعرفة، و المعتقدات، و الفن ، و التقاليد، و كذلك المقدرات الاخرى ، و العادات المستحكمة لدى الناس كأعضاء فى المجتمع) و نظر هردير للثقافة على انها اداة تعوض النقص الفيزيقى للانسان فى صراعه من اجل البقاء ، و هى محاولة يتأنسن عبرها الانسان من خلال التربية ، ومن الواضح ان المفهوم المبكر للثقافة ارتبط بتصور الجهد الداخلى الهادف لصياغة التفكير بأسلوب شبيه بالتحولات التى تدخلها يد الانسان على الهيكل الطبيعى للعالم الخارجى ،و قد وصل هردير الى نتيجة تفيد بشمولية عامل الثقافة ، اى انه لم يتكلم ابداً عن الثقافة بصيغة الجمع مؤكداً على انها نتاج خاص بكل انسان، ولكل منها نصيب و جعل مقدر يعبر من خلاله عن مجموع ممارساته المتراكمة فى الحياة و منها القوانين التى تحكم حركته و المجموع من حوله ، و فنونه التى يقضي عبرها اوقات جماله ، و معتقداته الى ينتمىاليها لاتشباع فراغاته الفيزيقية ، و غيرها على حد مفهوم الثقافة لدى تايلور . بناءاً على ذلك، فإن التعايس السليمي يقوم على رعاية هذه النماذج و الحقوق الثقافية على قدم المساواة، بإعتيارها محل تقدير كل انسان وأن عادات وتقاليد كل فرد مهما تكن فى نظر الاخرين فهى محل تقديره و إحترامه وإعجابه و فخره
.
فإذا كانت الثقافة وعلى نسق أكثر شمولاً هى الموروث المتعلم وتخطى التجربة الشخصية ووفق التعاريف المذكورة . فإن لدى انسان السودان فى شرقه و غربه شماله و جنوبه ووسطه رصيد متكافىء من المعرفة والعادات والتقاليد والاعراف التى تعتبر الاساس الذي تقوم عليه عملية التعافي الثقافي، بهذا المعنى يفترض ان تمثل بقدر متكافئ فى نماذج الثقافة السائدة والمنقولة عبر الوسائط الاعلامية، وعرض نماذجها الشعبية من رقصات ونقارات وفنافين ووازاوات وكرنق فهي جميعها تعبر عن لوحة فنية كبري يمكنها ان تسهم بقدر وافر فى اظهار الوحدة الوطنية التي تقوم علي التعدد الثقافي والاثني .
ولعل بعض أسباب الاحتقان التي يشار اليها بإستمرار فيما يعرف عند البعض بإصطلاح المركز والهامش في إطار علاقتهما التبادلية، أو ما يعرف بسيطرة ثقافة المنطقة الثقافية الاوسطي بإعتبارها ثقافة سائدة مما نتج عنه وصم الثقافات الاخري علي أنها متنحية ، فإذا كانت الثقافة هي كيان و وجدان الانسان الذي يعبر عن مكمن فخره وإعزازه ، فإن ذلك لايتفق مع وصم  ثقافة ما على انها متنحية أو زائبة لصالح ثقافة أخري. ومما يجدر ذكره ولصالح ازالة اللبس فان تحديد منطقة ثقافية وسطى يقصد لدينا نموذج الثقافة الذي وجد حظاً من الزيوع والانتشار لاسباب غير قصدية وهو بالتالي ليس اصطلاحا عرقيا او اثني او جهوي .

وفي اتجاه اخر يجد عالم الاجتماع والثقافة الالماني الفريد فيبير ان من ميزات الثقافة الايجابية انها تقوم علي الاستعداد للقيام بالنشاط غير النفعي ، وحتي انها تتطلب التضحية بهذا الوجود وباسم مهام تعتبر الارفع وتمثل المعني الجوهري للحياة البشرية . ولكي تبقي الثقافة في حالة نمو لابد من انفتاح الثقافات المتنوعة والمتباينة علي بعضها البعض بالقدر الذي يسمح بالفعل والانفعال من اجل الاطلال علي افاق جديدة من عوامل الثقافة ومكوناتها ، ولكن ذلك مشروط بالانفتاح الحر الذي يتيح التفاعل الطبيعي دون قسر او ضغط ليتم في بوتقة التفاعل الخلاق . ولعله عند تناول قضية السلام في اي بلد، لابد من التركيز علي احترام حقوق الانسان الثقافية المرعية لدي تناول مفهوم الثقافة بمختلف اجزاءه، واذا كانت الثقافة و بالبداهة هى حق طبيعي من حقوق الانسان الاصيلة فان استدامت السلام تقوم علي احترام الكيانات الثقافية بطريقة تكفل لها المشاركة الفعالة في رفد نهر الثقافة بمقتنيات متعددة لاكمال صورة الوطن الواحد

No comments: