Monday, July 13, 2020

السودان على حافة الهاوية: السقوط الحتمي أم الطريق نحو المستقبل؟


كتب السيد/ ألبرتو فرنانديز مقالا هاما، حول الاوضاع في السودان، وقد نشر على صفحة معهد واشنطن لتحسين جودة السياسة الامريكية في الشرق الاوسط، كما نشر في عدد من الصحف العالمية، وتكمن اهمية المقال في القضايا الحساسة التي تناول والموضوعية والعلمية التي اتكأ عليها، جاء المقال تحت عنوان؛ السودان على حافة الهاوية: السقوط الحتمي أم الطريق نحو المستقبل؟
اما عن السيد/ ألبرتو فرنانديز فهو امريكي خبير في شؤون السودان، كما انه نائب رئيس معهد الشرق الأوسط لبحوث الإعلام (MEMRI). وشغل سابقًا منصب القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم في الفترة من 2007 إلى 2009 ، ومسؤول مكتب السودان في وكالة الإعلام الأمريكية من 1990 إلى 1992.
من جانبي قمت باعداد الترجمة التالية للمقال، وهي جهد المقل، ارجو ان تكون مفيد للقارئ المهموم بقضايا بلادنا، وعلى الذين يرغبون بقراءة اصل المقال باللغة الانجليزية فالرابط موجود في نهاية المقال. وتقبلوا مني فائق التقدير والاحترام؛ صالح موسي.
 الى مضابط المقال:-
تحتاج واشنطن إلى التحرك بسرعة نحو السودان، وليس على هذا النحو المتثاقل، وذلك بهدف تقديم الدعم للحكومة المدنية، وتحذير قادة المنطقة للحيلولة دون استخدام البلاد كملعب لصراع جيوسياسي آخر.
في 30 يونيو، تدفق عشرات الآلاف من المتظاهرين السودانيين إلى شوارع الخرطوم والمدن الرئيسية الأخرى مطالبين بالتغيير، بما يحقق الانتقال الكامل إلى الديمقراطية والحكم المدني. بعد أكثر من عام بقليل منذ سقوط نظام عمر البشير الذي دام ثلاثة عقود، يمكن أن تذهب البلاد في أي من الاتجاهين - نحو أنماط مألوفة من الخلل الوظيفي والتراجع، أو نحو مسار رائد لا يستفيد منه سكان السودان البالغ عددهم 40 مليون نسمة فحسب، بل يستفيد منه العالم العربي وغير العالم العربي.
تتباين دول أفريقيا والشرق الأوسط من الناحتين السياسية والاقتصادية، وهناك دول على حافة الهاوية وفي مرحلة الحذر. ولكن في المنطقة التي تحكم عمليا بأنواع مختلفة من الاستبداد، فإن تاريخ السودان الفريد - كأول شعب يسقط نظامًا إسلاميًا استمر لفترة طويلة بمفرده - يمكن أن يهزم العديد من التوقعات التقليدية.
لذلك، أمام الولايات المتحدة خيار مصيري في هذه اللحظة المحورية. اما أن تتعامل مع السودان وكأن لديه مايكفي من الوقت لتصحيح الأمور  في حين يتلاشى الأمل في الخرطوم، أو أن تعطيه الاولوية في الدعم الفوري كحالة عاجلة – فهو الخيار الذي يؤمن المصالح الإقليمية للولايات المتحدة.
ما الذي جعل السودان على الحافة؟
مظاهرة 30 يونيو  نظمتها لجان المقاومة التي تمثل الحاضنة الشعبية لقوى الحرية والتغيير، وهي ائتلاف عريض من الكيانات التي برهنت على أهميتها في إسقاط نظام البشير في أبريل 2019. ذلك السقوط الذي جاء في شكل انقلاب عسكري، ولكن من غير المرجح أن يحدث دون وجود حركة شعبية واسعة ومستمرة. احتفلت المظاهرة الاخيرة بمليونية 30 يونيو  من العام الماضي، والتي ساعدت على تحقيق اختراق في التحول الذي حدث في السودان.
تطرق المتظاهرون هذا العام إلى العديد من القضايا، لكن مطالبهم الأساسية تتلخص فيما يلي: انتقال أسرع نحو الحكم المدني؛ ومزيد من الحزم من قبل المدنيين الذين يسيطرون بالفعل على السلطة؛ وابعاد عن عناصر النظام الإسلامي السابق الذين لا يزالوا يقودون الادارة البيروقراطية؛ والمساءلة عن انتهاكات النظام السابق؛ وتقليص دور الجيش. هذه التغييرات هي الخطوة التالية الطبيعية في العملية التي تكشفت منذ سقوط البشير، والتي أدت إلى شهور من المناورة الداخلية من قبل عناصر من القوات المسلحة، وشهدت قمع عنيف ضد المظاهرات، ومن ثم، بأعجوبة توصل الطرفان الى خطة لتقاسم السلطة والانتقال في يوليو 2019 . بموجب هذه الخطة، يحكم البلاد مؤقتًا مجلس السيادة العسكري المدني المشترك، مع الإدارة المدنية برئاسة تكنوقراط محترم، هو رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. من المفترض أن يستمر هذا الترتيب المؤقت حتى إجراء الانتخابات العامة في أواخر عام 2022.
قدم أحد منظمي المظاهرة من دارفور رؤية متفائلة عن أهمية المسيرة في تصريحات لشبكة عاين: "لا تراجع، لقد ترك السودان طريق الاستبداد إلى الأبد وسيبني السودانيون دولتهم الجديدة بكامل قوتها". لكن عدم الرضا عن الوضع الراهن عميق، وخطر التراجع كبير. ليس الأمر أن حكومة حمدوك فشلت في إحراز تقدم. فمنذ وصوله إلى السلطة في أواخر أغسطس 2019، شكل على الأرجح الحكومة الأكثر تنوعًا في تاريخ السودان. وترأس النساء أربع وزارات رئيسية (الشؤون الخارجية والتنمية الاجتماعية والعمل والشباب والرياضة والتعليم العالي)، بينما اختير لوزارة الإعلام صحفي سابق وسجين رأي وفق منظمة العفو الدولية تم سجنه ومضايقته لسنوات. كما نأى حمدوك بنفسه عن الإرث القانوني المعيب لنظام البشير، مما سمح بحرية الصحافة وإلغاء القوانين التي حدت من حقوق المرأة والحقوق الدينية.
بالإضافة إلى ذلك، بدأ حمدوك العملية المعقدة نحو تحقيق الشفافية والمساءلة في تصرفات النظام بالرغم من انها بطيئة للغاية في نظر النقاد. وقد تم استرداد ما بين 3.5 إلى 4 مليارات دولار من أصول منسوبي النظام السابق، وفقًا للجنة مكافحة الفساد وتفكيك النظام.
وفي الشؤون الخارجية، قامت الحكومة بكل ما يمكن أن تحلم به الولايات المتحدة. واستمر التعاون في مكافحة الإرهاب على نحو مثمر. كذلك في فبراير، التقى الجنرال عبد الفتاح البرهان - رئيس مجلس السيادة ورئيس دولة السودان بحكم الأمر الواقع - برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ولكن على الرغم من صدق وجدية الحكومة المدنية، لا يمكنها تصحيح ثلاثة عقود من الفوضى والخلل بين عشية وضحاها. فقد احرزت البلاد نجاحا حقيقياً الشهر الماضي في مؤتمر "أصدقاء السودان" في برلين، وحصلت على 1.8 مليار دولار من المساعدات، وتمكنت من تحسين العلاقات المتوترة منذ فترة طويلة مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ولكن تظل هذه التطورات الأساسية المشجعة مجرد خطوات أولية.
لقد كان اقتصاد السودان في حالة تدهور مستمر قبل أزمة كورونا وقبل الانكماش الاقتصادي العالمي الذي صاحبها. حيث بلغ معدل التضخم حوالي 100%، وبلغت نسبة البطالة 25% ، ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 8% هذا العام علاوة على انكماشه بنسبة 2.5 في المائة العام الماضي. كذلك على السودان متأخرات بمليارات الدولارات للمقرضين العالميين ظلت تتراكم بسبب عدم الكفاءة واللامبلاة التي تعامل بها القادة السابقون، بالاضافة الى ذلك، فالسودان مطالب بدفع 826 مليون دولار كتعويض عن تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998 جراء التسهيلات التي حصل عليها تنظيم القاعدة من قبل نظام البشير، ولا يزال هناك اتفاق لتسوية هذه المطالبات بمبلغ 300 مليون دولار امام مجلس الشيوخ الأمريكي.
توصيات للسياسة الأمريكية
كالعادة، نصح المقرضون الدوليون الحكومة السودانية باتخاذ خطوات ملموسة من شأنها أن تقلل من تآكل شعبيتها وتجعلها هدفًا أسهل للشخصيات العسكرية والإسلامية التي تنتظر وراء النافذة. ففي الوقت الذي يتراص فيه السودانيون اليائسون للحصول على الخبز والأدوية والوقود، فمن الجنون أن تتوقع إدارة حمدوك الجادة والهشة أن المواطنين الذين يعانون منذ فترة طويلة يجب أن يواصلوا العطاء دون اي مقابل، وان يرسلوا الأموال إلى ضحايا الإرهاب الأمريكيين، ذلك ببساطة في انتظار مستقبل افضل.
يبدو أن منطق سياسة الولايات المتحدة الحالية بشأن السودان واضحًا؛ ويقوم على معالجة القضايا الثنائية العالقة بشكل منهجي مع الابقاء على أمل دعم البلاد في نهاية النفق. وهذا يشمل تعليق الوعد بإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب الى مرحلة ما بالقرب من انتخابات 2022 أو بعدها. حتى ذلك الحين، فإن فكرة الادارة الامريكية هي الاستمرار بحذر في إصلاح القطاع الأمني، وحماية الإدارة المدنية من الإطاحة بها، وإبقاء الجيش على الخط - خاصةً أمير الحرب الطموح الجنرال محمد حمدان دقلو "حميدتي"، نائب رئيس مجلس السيادة. وبعبارة أخرى، لم يحصل السودان من الولايات المتحدة سوى على الوعود دون تقديم اي مساعدة فعلية. المشكلة في هذه السياسة هي أنها تفترض أن الوقت في صالح واشنطن. فإذا كان الاقتصاد العالمي مزدهرًا مثلا وكان السودان يتلاعب بالارقام لاثبات ضعف الاداء الاقتصادي، فربما يكون هذا النهج ناجحا. لكن واشنطن بذلك تخاطر بتحقيق عكس ما ترجوه، وذلك من خلال تجريد الحكومة الحالية من الثقة الشعبية بحجة الإبقاء على حميدتي في وضع حرج، وبالتراخي في الدعم الاقتصادي المستقبلي الذي لن يصل أبدا بشكل كامل (نظرًا لافراط الحكومات الأجنبية في الوعود بالدعم وعوامل أخرى). فبدلاً من تمكين الحكومة المدنية الليبرالية المتلتزمة بحقوق الإنسان وذات السجل الإيجابي منذ عام 2019 ، يمكن للسياسة الأمريكية الحالية أن تولد حكومة فاشلة وعديمة المصداقية تقود الى وصول حميدتي للسلطة أو آخر أسوأ منه بكثير - ربما تأتي قيادة تخفي استبدادها في عباءة الإسلام السياسي. حتى لو كان مستقبل السودان، للأسف، جنرالًا جديدًا جاء على ظهور الخيل، فقد يتم تقييد مثل هذا القائد إذا تولى السلطة من حكومة انتقالية ناجحة بشكل معقول بدلاً من حلول كارثة أخرى.
لذلك يجب على واشنطن أن تمضي بسرعة نحو السودان، وليس على هذا النحو البطئ. ويجب ان تضع واشنطن مسألة الدعم في مقدمة اولوياتها من أجل إعطاء المواطنين السودانيين أملاً ملموسًا على الأرض. علاوة على ذلك، يحتاج حلفاء الولايات المتحدة في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى حديث مباشر حول كيفية أن يكونوا أكثر استعدادا لمساعدة حكومة حمدوك. كما يجب على واشنطن أن تُحَذِر كل من هذه الدول ومنافسيها قطر وتركيا من أن السودان أصبح الآن أولوية أمريكية، ولن تسمح بأن يكون ملعبا آخر للصراع الإقليمي المتبادل بينهما. كما إن إعطاء الأولوية للمبادرات الصديقة للناس التي توفر الدعم على المدى القصير والمتوسط ​​هو السبيل للعبور، وليس المشاريع الفخمة طويلة المدى التي قد لا تحقق أبدًا.
سيكون من السهل عبور السودان بالرغم انه وريث إرث تاريخي قاتم وحوصر في توترات سد النهضة بين الجارتين مصر وإثيوبيا. ومع ذلك، وبالنظر إلى اليأس والجمود المتعمق في معظم العالم الناطق بالعربية، من الأهمية بمكان أن تفعل واشنطن كل ما في وسعها الآن - وليس لاحقًا - لضمان ظهور السودان كدولة متسامحة يقودها المدنيون بدلاً من دولة فاشلة أخرى. سيكون هذا أفضل ليس فقط للولايات المتحدة، ولكن أيضًا لمنطقة متعطشة لقصص النجاح النسبي وسط تجمع من الكآبة.



No comments: