Monday, June 29, 2020

مؤتمر شركاء السودان دبلوماسية التنمية في ابهى تجلياتها


مؤتمر شركاء السودان دبلوماسية التنمية في ابهى تجلياتها
خلفية: التقيت عبر الماسنجر بالامس الحبيب نجم الدين دريسة، وهو من الشباب المهتمين والمشفقين حيال ما يجري في بلادنا، فطلب مني كتابة تعليق على مؤتمر شركاء السودان، وماكنت اود ذلك نسبة لكثافة التناول الذي حظي به المؤتمر في الداخل والخارج، ولكن طلب الحبيب نجم الدين شجعني على كتابة الهوامش ادناه. تحت عنوان" مؤتمر شركاء السودان دبلوماسية التنمية في ابهى تجلياتها".
يجمع مفهوم دبلوماسية التنمية كمفهوم هجين بين مخرجات السياسة والعلاقات الدولية، والاقتصاد كعلم قائم على الموارد والموازنة في استخدامها والكفاية والشمول الرفاهي والاجتماعي. واذا كان مفهوم دبلوماسية التنمية كما اشرنا اعلاه، فإن السودان في نسخة الدولية بقيادة حمدوك والبدوي قد نحج بلامنازع في تسنم هرم دبلوماسية التنمية، ولعل نحن في السودان لدينا باع وتاريخ نظري قديم في محاولة استخدام الدبلوماسية الاقتصادية، وقد كان السودان اول دولة في المنطقة العربية والافريقية عقدت مؤتمرا للدبلوماسية الاقتصادية بقيادة الدكتور الراحل منصور خالد في عام 1972م. وقد قلنا في اكثر من مرة ان الدكتور حمدوك وزراعة الايمن الدكتور ابراهيم البدوي لديهما ما يقدمانه للسودان لاسباب عده اهمها ان كلا الرجلين جمع بين المعرفة النظرية العميقة والخبرة العملية الطويلة في الفضائين المحلي والدولي، فاذا كان الرجلان قد استخدما خبرتهما لتحقيق ما تم انجازه، فهناك عوامل غير منظورة اسهمت في هذا النجاح، ارجو اوجزها في ما يلي:-
اولا: موقع السودان المميز في خريطة الصراع المحوري حول الماء والموارد البشرية والطبيعية مما جعل العديد من المنظمات الدولية والاقليمية ومعاهد البحوث المهتمة بادارة الموارد والرفاه الانساني تشير باستمرار  الى الدور المرتجى من السودان في اطار سلسلة واردات وصادرات الطعام في العالم، إن وجد هذا البلد الذي مزقته الحروب الاسناد الدولي الايجابي لاستغلال موارده الوفيرة. وقد اطلعت في وقت سابقة على استراتيجية احدى الدول البعيدة عن السودان وهي تحذر متخذي القرار فيها من مغبة اهمال انتاج محصولات محددة لان ذلك سوف يفسح المجال الى السودان للسيطرة على سوقها عالميا.
ثانيا: بالاضافة الي العلاقة التاريخية بين السودان والمانيا، حيث كانت من اكبر الشركاء التجاريين للسودان، تهتم المانيا وتتفهم جيدا دور السودان في حماية الاتحاد الاوروبي والدول الاوروبية من خطر الهجرة غير الشرعية. اذ ان عوامل الجفاف في اجزاء متعددة من افريقيا بجانب سوء ادارة الموارد لدى الكثير من دولها جعل شبابها في مقدمة المغامرين بالهجرة الى اوروبا، وقد كانت المانيا بالمناسبة وراء برنامج الاتحاد الاوروبي للتعاون مع السودان في حماية ومنع الهجرة غير الشرعية الى اوروبا، في ظل النظام السابق، وقد وفر الاتحاد الاوروبي حينها ملايين اليورهات لدعم هذا البرنامج واستخدم السودان حينها قوات الدعم السريع للعب هذا الدور، وهو ما عزز قدرات هذه القوات الى يومنا هذا.
ثالثا: لم يكن السودان منذ الاستقلال الى اليوم اقرب الانهيار والتشظي مثل ما هو حادث اليوم، فقد تعددت الجيوش في ربوع البلاد واطرافها بصورة لم يسبق لها مثيل، ليس ذلك فحسب، فهناك قابلية عالية للتجيش وسط الشباب السوداني، وذلك لاسباب متعددة اهمها حالات الفقر واليأس وانسداد الافق بسبب السياسات الرعناء التي اتبعها النظام السابق، فهناك اعداد كبيرة من الخريجين العاطلين عن العمل، وهناك اعداد مهولة من الفاقد التعليمي، علاوة على قضايا التمييز الافتراضي والحقيقي، الذي جعل جميع الفرقاء يجنحون الى استخدام العنف اما لاستدامة ما اغتنموه في فترات سابقة، او استخدام العنف من اجل الحصول على جزء من الكيكة، والاخطر ان النظام السابق بالرغم من انه اسس عدد من الجامعات الا انها كانت مراكز لتفريخ الجهل وتعزيز التباين بين الاقاليم وشعوب السودان المختلفة. وعليه نعتقد ان احد اهم اسباب التدافع نحو مؤتمر شركاء السودان هو المخاطر المحدقة بانهيار البلاد ودخولها نادي الدول المنهارة في الاقليم.
رابعا: تاريخ الصراع الدولي لاسيما بين الاقطاب الرادكالية يسارا ويمينا كان يلعب في محفل الارهاب والتطرف، وذلك من خلال صناعة الخلايا الارهابية والمتطرفة لضرب الخصوم، فالولايات المتحدة مثلا انتصرت على الاتحاد السوفيتي سابقا لاسيما في افغانستان في ايام الحرب الباردة او مايسمى بالحرب بالوكالة او الحرب الاستخبارية عند البعض، من خلال استخدام منظومة المجاهدين الذين كانت توفر لهم الدعم الاستخباري والمالي عبر حلفاؤهم في المنطقة، حيث تحولت هذه الجماعات بعد حين الى صداع يغض مضجع الولايات المتحدة نفسها، واصبحت في شوكة في خاصرتها الاسترانيجية. علاقة السودان بهذا ان النهج الذي اتبعه نظام الانقاذ من حيث تحويله الى حاضنة لجميع حركات التطرف في العالم مما ادخل السودان في ورطة تاريخية ندعو الله ان يخرج منها سالما، ففي قلب الخرطوم هناك من بايع ابو بكر البغدادي كخليفة للمسلمين، وليس ادل على قابلية الانخراط في مضمار الارهاب في بلادنا من ذهاب شباب صغار للقتال في ليبيا والعراق وسوريا. فالعالم والمانيا تحديدا تعي هذا الوضع كما ينبغي، وعليه كانت الدعوة للحفاظ على السودان كدولة في البداية، ومن ثم العمل في اطار تحقيق التنمية فيه ولصالح شعبه. هذا علاوة على موقع السودان في اكثر اقاليم افريقيا هشاشة، حيث بوكو حرام في اغرب افريقيا، والسليكا في افريقيا الوسطى، والشباب المجاهدين في الصومال، وجيش الرب في يوغندا، والصراع في جنوب السودان، والانتشار المخيف للسلاح في كل الاقليم.
خامسا: يشهد السودان صراعا داخليا عنيفا بين مكوناته، بحيث ان ما يحدث فيه يشبه "حرب الكل ضد الكل" اذ لايوجد من بين اقاليم السودان واطرافه ما يخلو من نزاع، سواء نزاع قبلي او عشائري او جهوي، وجميع هؤلاء يحملون اسلحة فتاكة، ولعل ما حدث في ولايات دار فور من فتق بين ما يطلق عليهم الرعاة والمزارعين يصعب على الراتق، والامر مثله في جبال النوبة وجنوب كردفان والنيل الازرق، وشرق السودان، بحث اصبح الوضع الطبيعي بين الناس هو الحرب، اما التعايش السلمي فهو الاستثناء. ولذلك في تقديري فإن الحضور الدولي في مؤتمر شركاء السودان في برلين هو محاولة الى تليين هذا الوضع الشاذ، هو ما دفع رئيس الوزراء نفسه لاقتراح مشروع البعثة الاممية السياسية المتوقعة في غضون يناير القادم، لعل محاولات دعم السودان سياسيا هو الفرصة الاخيرة لنا وشركاؤنا.
سادسا: اما نجاح المؤتمر من حيث الاخراج والاستجابة فمردهما بالاضافة الى العوامل اعلاه، وبالطبع الوزن الالماني، و الدور الذي لعبه رئيس الوزراء ووزير المالية من حيث استغلال علاقاتهم الدولية، وتقديم برامج موفقة في مخاطبة المجتمع الدولي، هو نجاح يحسب للرجلين.
ما بعد مؤتمر الشركاء السودان
مؤتمر شركاء السودان بالرغم نجاحه من الناحتين المالية والسياسية، الا انه يبقى هو المرحلة الاولي التي تمهد الطريق نحو سودان ينعم بالحرية والعدالة وتحقيق التنمية واستدامتها، فقد وعد المشاركون بالانخراط مع السودان في مشروعات اقتصادية وسياسية بلاسقوفات سوى تحقيق السلام والاستقرار والاصلاح الاقتصادي من النواحي التشريعية والقانونية، وتوفير البيئة المواتية للاستثمار. اذن العمل الاساسي مطلوب من الجانب السوداني وليس المجتمع الدولي، وكالعادة فإن دور الدول الصديقية والشقيقة لايعدو كونه رافعة لمساعدة الجهد الوطني.
 المطلوب في المرحلة القادمة؛ ادارة الازمات المتفاقمة بحكمة وحنكة، وان نترك الافتاء لاهل الفتوى، ونعطيهم الفرصة في اقتراح برامجهم والعمل على تنفيذها، فمثلا؛ لايمكن أن يأتي واحد "عنقالي" ليفتي في كيفية ادارة الموارد الاقتصادية وتحقيق التنمية المستدامة، فلنترك الامر للخبراء الذين وضعنا ثقتنا فيهم ونتحلي بالصبر واليقظة. فهناك حرص من منسوبي النظام المباد الى جر السودان نحو الهاوية من خلال اثارة عامة الشعب وتجيشهم ضد حكومة الفترة الانتقالية، والانتقام لمجدهم الآفل، وهناك من لهم اجندات خاصة تتعلق بمصالح تليهم وبالتالي لايعجبهم العجب.
في الختام؛ نقول هذا البلد كبير وعظيم وفيه خير يسيل له لعاب الطامعين، علينا ان ندرك ان السفينة التي تفشل في مواجهة امواج المحيط مصيرها الغرق، وانه في حال فرطنا في بلادنا هذه المرة سوف نندم الى الابد، هذا بلد يستحق شعبه وضع افضل، ولكن المثيرة للدهشة ان كل العالم وشعوبه، يدركون اهمية السودان الجيوسياسية والاقتصادية، الا نحن السودانيين لاندرك هذه الاهمية، فالسودان هو سرة افريقيا والعالم العربي.
صالح موسى – يانجون
30يونيو2020


No comments: