السودان في عين العاصفة: وطن يواجه خطر الانهيار الشامل
صالح السليمي

يرزح السودان اليوم تحت وطأة أزمة غير مسبوقة في تاريخه، تتشابك فيها الخيوط الاقتصادية، الأمنية، الثقافية، الاجتماعية، والعسكرية لتضع البلاد أمام مصير قاتم. كل مؤشر يشير إلى انهيار قادم، وكل زاوية من زوايا السودان تعكس واقعاً متصدعاً على شفا الهاوية. في هذا المشهد المضطرب، تتراكم الأخطار وتتصاعد التهديدات، ليس فقط على مستوى السودان، بل على مستوى المنطقة بأكملها.
الاقتصاد يتهاوى والبنية التحتية في مهب الريح، ان ما يحدث في السودان اقتصادياً لا يقل عن كارثة. فالبلاد باتت عاجزة تماماً عن توفير الأساسيات، والبنية التحتية التي هي شريان الحياة لأي دولة، انهارت كليا. الطرق، الجسور، شبكات الكهرباء، والمرافق الصحية، كلها في حالة انهيار غير مسبوق. إذا استمر هذا الوضع، فإن السودان لن يتبقى له ما ينهض به، بل سيكون جسداً ميتاً بلا نبض ولا روح.
انهيار أمني كامل، السلاح والدم في كل زاوية، والبلاد لم تعد تعرف معنى الأمان، المواجهات المسلحة، الطيران، المدفعية تمزق البلاد إرباً، والمواجهات اتخذت منحى عرقياً وإثنياً خطيراً يهدد بتمزيق النسيج الوطني. هذه الحرب الدائرة بلا هوادة عمقت الجراح وتركت البلاد في حالة نزيف مستمر. في هذا المناخ المأزوم، تتنامى الجماعات المتطرفة، مستغلة الفوضى لتزيد الطين بلة.
بجانب ذلك يطل الانهيار الثقافي، فالمتاحف والآثار تحت الأنقاض وما تبقى تم نهبه من قبل الدول الطامعة في الحضارة السودانية، ورموز الهوية السودانية تسقط واحدة تلو الأخرى. المتاحف، الآثار، وكل ما يجسد تاريخ وحضارة السودان مهدد بالاندثار. هذه الرموز ليست مجرد مبانٍ أو قطع أثرية، بل هي ذاكرة الأمة وعمقها الحضاري. ولذلك انهيارها يعكس انهياراً أعمق في الهوية الوطنية، ويشكل جرس إنذار خطير بأن السودان يفقد نفسه شيئاً فشيئاً.
يصاحب ذلك تفكك اجتماعي؛ فالنسيج الوطني يمزق بلا رحمة، والأوضاع الاقتصادية والأمنية المتردية لم تؤثر فقط على الدولة، بل ضربت المجتمع في عمق تماسكه. فالعلاقات الاجتماعية تتفكك، والانقسامات العرقية والاجتماعية تتسع يوماً بعد يوم. هذا التفكك يفتح الباب أمام صراعات أهلية لا تُبقي ولا تذر، مما يجعل إمكانية بقاء السودان كدولة موحدة أمراً مشكوكاً فيه.
مواجهات عرقية وإثنية؛ فالجيش في أزمة، والحرب لم تعد سياسية فقط، بل دخلت في دوامة العرقية والإثنية. والجيش السوداني الذي كان من المفترض أن يكون عمود الدولة بات جزءاً من المشكلة. قيادته رهنت قراراتها لخدمة مصالح جماعات معينة، في مقدمتها جماعة المؤتمر الوطني، مما جعل الجيش أداة لإطالة أمد الصراع بدلاً من إنهائه.
من جهة، شبح التقسيم أصبح يقترب أكثر من أي وقت مضى؛ السودان يتفكك أمام الأعين، وتقسيم البلاد لم يعد مجرد فرضية، بل سيناريو يقترب بخطى متسارعة. ومع استمرار الانقسامات والصراعات الداخلية، فإن تفكك البلاد إلى كيانات متناحرة هو مسألة وقت. هذا التقسيم لن يكون نهاية معاناة السودان، بل بداية لانهيار شامل يمهد لحروب أهلية لا نهاية لها.
علاوة على ذلك، الجماعات التكفيرية؛ فالإرهاب يستغل الفوضى في هذا المناخ المضطرب، ظهرت الجماعات التكفيرية الجهادية كلاعب رئيسي في السودان، حيث قطع الرؤوس، وبقر البطون، والتمثيل بالجثث. هذه الجماعات المتطرفة تستغل الفوضى والفراغ الأمني لتأسيس معاقل لها، مما يجعل السودان بؤرة للإرهاب. وخطر هذه الجماعات لا يهدد السودان وحده، بل يمتد إلى المنطقة بأسرها، مع احتمال أن يتحول السودان إلى منصة لانطلاق العمليات الإرهابية في كل الاتجاهات.
غني عن القول، ان الإسلاميين والجيش هم شركاء في الخراب، فالحركة الإسلامية تتحمل مسؤولية مباشرة عن الدمار الذي يشهده السودان، فهي تسعى لاستعادة السلطة على أنقاض الشعب، فاستخدام العنف والفوضى كأدوات للوصول إلى السلطة يعكس انعدام أي شعور بالمسؤولية الوطنية. ومن جانب آخر، الجيش الذي كان من المفترض أن يكون حامي الوطن، تحول إلى أداة في يد جماعات سياسية تسعى للهيمنة، مما عمق الأزمة وأطال أمد المعاناة.
نعم الجيش لا يحارب نفسه، انما يحارب قوات الدعم السريع، التي كان يقول انها من رحمه، ومن أنبل صناعته، اليوم اختلف مع تلك القوات التي قال عنها عمر البشير يوما ما انها كانت نتاج لأفضل القرارات التي اتخذها طوال فترة حكمه. السودانيين اليوم يموتون بسبب الصراع المحتدم بين الطرفين وتدفع النساء والرجال والأطفال والمرضى اثمان باهظة، وأصبح الناس يحلمون بوطن ضاع من بين أيديهم. وطالما دعا الشعب والمجتمع الإقليمي والدولي كذلك الى الجلوس الى طاولة تفاوض يصار فيها الى حلول للازمة بوقف شامل لأطلاق النار، والعودة العاجلة للمسار المدني الديمقراطي، حيث يمكن للبلاد ان تنطلق مجددا نحو رحلة شاقة لإعادة الاعمار.
ليس ذلك فحسب، بل أصبح السودان مهدد للسلم الوطني والاقليمي، وقد يفجر حرباً في القرن الأفريقي، فالأزمة في السودان تتجاوز حدود الدولة لتشكل تهديداً حقيقياً على الاستقرار الإقليمي. وان تفكك السودان قد يكون الشرارة التي تشعل صراعاً إقليمياً في منطقة القرن الأفريقي، خاصة في ظل التوترات القائمة بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، والتدخل المصري المستمر في السودان، والمواجهة المحتملة مع إثيوبيا ما قد يشعل حرباً إقليمية لا تُحمد عقباها.
ختاما يواجه السودان أخطر لحظة في تاريخه، حيث كل مؤشر يدل على أن البلاد تسير نحو الانهيار الشامل. إذا لم تتضافر الجهود المحلية والإقليمية والدولية لإيجاد حلول جذرية وسريعة، فإن السودان لن يكون إلا نموذجاً لدولة منهارة تسقط في فوضى لا نهاية لها، ويجرّ معه المنطقة بأسرها إلى حافة الهاوية.
No comments:
Post a Comment