حرب السودان قمة التعبير المرضي عن العنف
صالح السليمي

العنف هو إستخدام القوة أو التهديد بالقوة لإيذاء أو التسبب بضرر للآخرين، سواء كان ذلك جسمانياً أو عقلانياً أو عاطفياً أو من حيث الثروة. ويُعتبر العنف سلوكًا غير مشروع وغير مقبول اجتماعيًا، حيث ينطوي على عدم احترام لحقوق الآخرين،ويزعزع السلم الاجتماعي والسلم النفسي للمجتمع. وهذا المفهوم هو ما عبرت عنه بصورة مرضية حرب السودان المستمرة منذ أكثر من سبعة عشرة شهراً، تلك الحرب التي شهدت خلالها بلادنا صنوفا من العنف الانتقامي الممزوج بالتشفي المرضي في العديد من الأحيان، حيث تعتبر حوادث مثل قطع الرؤوس وبقر البطون والتمثيل بجثث واحشاء الضحايا أنموذج صارح للحالة المرضية التي اعترت هؤلاء الفاعلين، وتكون الحالة المرضية أكثر تعقيدا وأبشع تجليا عندما يقترن ذلك بقيم عليا مثل الكرامة والجهاد ومعاني السماء.
وفي العادة يتمظهر العنف في العديد من الأنماط والسياقات، فالعنف الجسدي يستخدم القوة الجسدية للتسبب في الإصابات والأذى، بينما يستهدف العنف النفسي إلحاق الأذى أو الألم النفسي بشخص آخر من خلال التهديد أو الإهانة أو الابتزاز العاطفي، ذلك علاوة على العنف الجنسي الذي يستهدف استغلال ضحاياه جنسياً دون موافقة او رضى هؤلاء. كما يظل العنف الاقتصادي الذي يرمي للتحكم في الثروة والموارد والاستغلال الاقتصادي للأفراد أو المجموعات من أبشع أنواع العنف التي تولد عنفا مضادا في غالب الأحيان.
في السياق، هناك العديد من الأسباب التي قد تؤدي إلى استيلاد واستدامة العنف، ومن بينها الفقر والعوز وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية وما ينتج عنه من إحباط وغضبما يزيد من احتمالية اللجوء إلى العنف كوسيلة للتعبير عن الاستياء. وهناك الانحراف الاجتماعيلعدم تلقي الدعم والتوجيه اللازمين من الأسرة أو المجتمعهذا بدوره يولد دوامة من العنف المجتمعي المريع. كما يظل العنف الأسري سببًا رئيسيًا آخر للميول نحو العنف، حيث يمكن أن يؤدي الضغط النفسي المتولد من النزاعات الأسرية إلى تفاقم العنف داخل الأسرة وان يمتد الى خارجها. ويؤدي العنف المدرسي المتمثل في حالات التنمرأو عدم التعاطف بين الطلاب إلى تصاعد موجات العنف في البيئات التعليمية ويمتد ذلك بدوره ليكون نمطا حياتياً عند الافراد عقب مغادرة مقاعد الدراسة. كذلك هناك عوامل ثقافية، حيث تساهم بعض الثقافات في تشجيع استخدام العنف كوسيلة لحل النزاعات بما يعزز القيم العنيفة. كما يعتبر الإرهاب والصراعات السياسية المسلحة من أخطرمسببات العنف المنظم كما هو الحال في السودان، حيث شوهت التنظيمات العقائدية وجدان المنتمين اليها، ورسختفي عقولهم استخدام العنف كوسيلة لحسم الصراعات، ولذلك كان النشاط الطلابي لاسيما في السنوات الثلاثين الماضية بعيدا عن الحوارات الموضوعية المتوقعة في فناء الجامعات ومحافل العلم، حيث أصبح استخدام السيخ لدرجة التصفية الجسدية امرا مشاعا في أروقة الانشطة الطلابية، وقد فقد العديد من الطلاب أمثال الشهيد محمد عبد السلام والشهيدة التايا والشهيد الطيب البشير واخرين ارواحهم جراء ذلك.
الراصد لحركة وتطور العنف في البلاد منذ 1989 كان بإمكانه ان يستنج ان نهاية السودان سوف تكون حربا ضروسا كما نشاهد اليوم، فعلي سبيل المثال لا الحصر العنف الذي مارسته حكومة “الإنقاذ“ ضد معارضيها، ذلك العنف الذي بلغ منتهاه عند التصفية الجسدية للخصوم كما حدث مع الدكتور على فضل، واحمد الخير، والفاتح عمر النمير واخرين، هذا النوع من العنف كان من الطبيعي ان يفتح أبواب جهنم على بلد كان اتسم بالتسامح وحسن الطوية.
No comments:
Post a Comment