السودان: لابد من بداية جديدة قائمة على القيم والمعايير (2)
مدونة السلوك مفهومها وطبيعتها
مدخل (3)
في صيف عام 2020 كنتُ في السودان، ذهبت لقضاء احد ألأ غرض لدى بنك الخرطوم فرع شرق النيل، عندما غادرت البنك نسيتُ نظارتي، عدتُ الى البنك غداً، سألت العاملين في الكاونتر فردوا بأنهم لم يعثروا على شيء، في تلك الاثناء جاء مدير الفرع رجل فاضل وظريف، اخذني مشى بي نحو الحارس الأمني بالبنك، فسأله يا فلان هل وجدتم نظارة هنا بالأمس (؟) فرد الحارس الأمني بفظاظة شديد وقال أنتم تتهموني بالنظارة، على قول حبوبتي الدية بنت أبو حوه، انا ومدير البنك "مرقنا منه بِعَّبْادة الله".
مدخل (4)
في ذات الصيف وذات الاجازة ذهبت الى محل اثاث فخم، من طابقين، في شرق النيل، حي الهدى، يفتح في شارع القذافي، وجدت موظف المبيعات جالس ممد أرجله على اريكة فخمة، لاحظتُ اثناء بحثي في الطابق الأول انه لم يبدي اهتماما، بعدها، جئت واقتربت منه قائلا: يا ابني انا ابحث عن كذا هل لديكم، فقال يا عمك امشي فوق أمكن تلقى حاجتك (!) حينها شعرت بالصدمة (!)
مدخل (5)
في مستشفى السلاح الطبي، ذلك قبل سنوات، ذهبت لزيارة صديقي الراحل العقيد(--) له الرحمة والمغفرة، فقابلتُ ابنته الطالبة في كلية الصيدلية التي رافقتني الى حيث يرقد، عندما وصلنا، استقبلنا ممرض وقال، "امشوا جيبوا طبيب" عشان يستلموا من الغسيل (!) ذهبنا الى كافتيريا الأطباء فوجدنا الطبيب المعني، فقلنا له سعادة العقيدة فلان الفلاني خلّص عملية الغسيل ومطلوب من سيادتك استلامه، فقال: "طلع من الغسيل الباقي ليهو المكوة، وضحك بطريقة مجلجلة"، ذلك في قمة محنتنا، انا وابنته، عندما وصلنا في معية الطبيب وجدنا العقيد (--) قد فارق الحياة، نسأل الله له الرحمة والمغفرة.
مدخل (6) عرفت ممن اثق به، وكان يعمل ضمن طاقم بصات الوالي حينها، ان معظم البصات تم تدميرها عن قصد، إما بسبب المواصفات الرديئة، وإما من خلال تعامل السائقين، حيث كان اغلبهم يتعَمد إتلافها، لأنه سوف يرسل البص الى الورشة ويجلس فقط للمتابعة، ويصرف جميع مخصصاته دون الخضوع لأي نوع من المحاسبة او المسائلة.
من المدخل (3) تلاحظ سوء الطوية، وضعف الإدارة، وعدم الالتزام بالنزاهة في التعامل مع الجمهور، وعدم وجود مدونة تحدد سلوك العاملين تجاه بعضهم البعض (الزملاء، الجمهور، المديرين)، كذلك هناك عدم ارتباط او معرفة بقواعد الأداء في مؤسسة عريقة مثل بنك الخرطوم، ولكن بالقطع، لا الوم الحارس الأمني وسلوكه الفظ بقدر ما الوم المؤسسة التي لم تدربه على قواعد السلوك.
من المدخل (4) تلاحظ ضعف التدريب الواضح، فالموظف يهتم بمتابعة هاتفه أكثر من اهتمامه بالعمل الذي يوفر له لقمة عيشه، بل لا يبالي في خسارة المالك لزبون ربما يكون مهما. في كل بلدان العالم موظف المبيعات (SALELR) يستقبلك في باب المعرض ويجول معك كل أجزاءه وأركانه ومن ثم يودعك بابتسامة في بوابة الخروج من المعرض، بغض النظر اشتريت ام لم تشتر(!)
بين هذا وذاك وتلك، نكتشف أهمية النظم والمعايير المتعلقة ببناء المؤسسات والتي تشير إلى مجموعة من القواعد والإرشادات الفنية والإدارية التي تهدف إلى تنظيم العمليات من حيث التخطيط، التصميم، التنفيذ، والإشراف. هذه المعايير تهدف إلى ضمان الجودة، والسلامة، والاستدامة، بالإضافة إلى تحقيق الكفاءة وتقليل الأخطاء والمخاطر.
في السياق، تلعب النظم والمعايير دورًا محوريًا في استدامة تطور مؤسسات الدولة الحديثة. فهي توفر أساسًا موثوقًا للتخطيط والتنفيذ، مما يضمن أن العمل يتم وفقًا لإجراءات محددة ومعايير دقيقة تسهم في تحقيق الأهداف بشكل فعال ومستدام. فتطوير التعليم يستدعي الالتزام بالمعايير العالمية في إعداد المناهج التعليمية وتدريب المعلمين، ويسهم في تطوير قدرات الطلاب وإعدادهم ليكونوا قوة عمل تنافسية في المستقبل. هذا يعزز من جودة التعليم ويوفر فرصًا متساوية للجميع. كما أن تطوير الصحة يستدعي الالتزام بالنظم والمعايير الصحية التي تضمن توفير رعاية طبية فعّالة وآمنة. كذلك تحديد معايير للرعاية الصحية يساعد في تحسين جودة الخدمات الصحية والحد من انتشار الأمراض، وضمان سلامة المرضى. وفي مجال النقل العام يقتضي الامر الالتزام بالمعايير في تطوير البنية التحتية للنقل بما يضمن استدامة هذه المشروعات وسلامة الاستخدام، ويضمن كذلك المتابعة والمسائلة والشفافية. فالمعايير تساعد في تقليل الحوادث وتحسين كفاءة النقل العام وخفض التكاليف التشغيلية.
انطلاقاً من الحوادث في المداخل أعلاه، والتي توضح جميعها بجلاء لا لبس فيه مدى ضعف مجتمعنا وإيغاله في اللامبالاة، وعدم المسؤولية، وقلة المعرفة بحقوق العمل الواجب اتباعها، والالتزام بالمسؤولية الأخلاقية في الاعمال، وأداء الأمانة في الشغل، في ضوء كل ذلك؛ ألا يقتضي الأمر بداية جديدة قائمة على المعايير العلمية والقيم الأخلاقية (؟).
No comments:
Post a Comment