Thursday, September 26, 2024

 

السودان من مصيدة الخبز الى مصيدة الحرب

صالح السليمي

تشير مصيدة الخبز إلى عملية تغيير النظام الغذائي التقليدي في بعض البلدان إلى نظام يعتمد بشكل كبير على الخبز المصنع من دقيق القمح، بدلاً من الأنظمة الغذائية التقليدية التي كانت تعتمد على محاصيل محلية مثل الذرة أو الدخن. ويحدث هذا التحول في كثير من الأحيان بسبب العوامل الاقتصادية والسياسية، حيث يتم استيراد القمح بأسعار مدعومة، مما يجعل الخبز المصنوع من القمح أرخص وأسهل توافرًا من الغذاء المحلي التقليدي.

في السودان، على سبيل المثال، كان النظام الغذائي التقليدي يعتمد بشكل كبير على الذرة والدخن، والتي تُزرع محليًا. ومع الوقت، تم تحويل هذا النمط إلى اعتماد أكبر على القمح المستورد. وتسبب هذا في عدة مشاكل، فمع تحول المجتمع إلى استهلاك الخبز المصنع من القمح المستورد، يصبح البلد معتمداً بشكل أكبر على واردات القمح، مما يزيد من هشاشة الأمن الغذائي الوطني. كما ان التحول إلى القمح المستورد يمكن أن يؤدي إلى تراجع إنتاج المحاصيل المحلية مثل الذرة والدخن، مما يؤثر سلبًا على المزارعين المحليين وعلى التنوع الغذائي. هذا علاوة على التأثيرات الصحية، فقد يتسبب التحول من الأطعمة التقليدية الغنية بالمغذيات إلى الأطعمة المصنعة والمكررة مثل الخبز في آثار صحية سلبية، مثل زيادة معدلات الأمراض المرتبطة بالنظام الغذائي. هذه المصيدة الغذائية تعكس توجهًا عالميًا حيث تفرض العولمة وتأثيرات السوق تغييرات كبيرة على الأنماط الغذائية التقليدية.

ففي " عام 2020، كانت أكبر واردات السودان هي السكر الخام (560 مليون دولار) والقمح (530 مليون دولار). كما استوردت البلاد جرارات بقيمة 160 مليون دولار. في الوقت الذي يُقدر فيه مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في السودان بنحو 51.5 مليون فدان، منها 4.3 مليون فدان مروية".

في السياق، ظلت السياسية الزراعية وسياسات الاقتصاد الكلي في بلادنا من أضعف السياسات على الاطلاق، وقد كان السودان يعتمد في الغذاء على الإنتاج المحلي لاسيما الذرة والدخن الى ما بعد الاستقلال، حيث انخرطت البلاد في سياسات خاطئة تعتمد على استيراد القمح المدعوم تارة، وقمح المعونات تارة اخرى، حيث تتزايد فاتورة الواردات تدريجيا ويتغير معها النمط الغذائي للمستهلك للدرجة التي اصبح معها أي حديث عن ضرورة التفكير وإعادة النظر في تصميم نمط غذائي جديد يوازن بين استغلال المنتجات المحلية (الذرة والدخن) وتقليل فاتورة الواردات ضربا من الجنون، لان معظم الأجيال الحديثة لم تدرك ذاك النمط الغذائي الذي كان سائدا في السودان قبيل دخولنا طواعية في هذه المصيدة .

عندما المقارنة بين واردات السودان في 2020 أعلاه، نجد ان واردات القمح (530 مليون دولار امريكي) أكبر من واردات الجرارات (160 مليون دولار امريكي) في بلد زراعي من الدرجة الاولي، وتبلغ مساحة الأراضي الصالحة مباشرة دون استصلاح أكثر من (51.5 مليون فدان) بحسب المصدر أعلاه.

ختاما: سوف تنتهي الحرب قريباً، فهل يشق السودان طريقا جديدا يقوم على تعزيز استخدام المنتجات المحلية، وبناء نمطا غذائيا خاصا يوازن بين خفض فاتورة الواردات وتحفيز الصادرات، والانتقال مباشرة الدخول في ثورة الصناعات الزراعية والحيوانية، ومنع تصدر المواد الخام بنصوص الدستور وكل القوانين، هل سيفتح السودان منصة جديدة لبناء امة تعتمد على نفسها وتساهم كغيرها من الأمم في دعم وتعزيز السلام العالمي (!)

No comments: